عشت أسبوعاً مع قصص ورسائل مرضى الإيدز التى أرسلها لى د. نبيه سمير، مسؤول جمعية الفن والتنمية، كان المطلوب مجرد مقدمة لكتاب «رسائل من مصر» الذى سنحتفل بصدوره اليوم ضمن منتدى مكافحة التمييز ضد المتعايشين مع فيروس نقص المناعة، والمكون من 15 جمعية أهلية ومنظمة مجتمع مدنى، لكن الأمر تحول من كتابة كلمات مقدمة كتاب إلى صرخة من أجل احترام التعامل مع مرض وعلاجه مهما كانت أسبابه وعدم التمييز ضد من أصيب به، لأننا لسنا جلادين بل أطباء وبشر!.

سأنقل لكم رسالة واحدة من ضمن تلك الرسائل التى تحكى مأساة التمييز ضد مريض الإيدز، تقول الرسالة: توفى زوجها إثر إصابته بفيروس نقص المناعة البشرى، بعد أن انتقلت إليها العدوى بواسطته. وحين علم أهل زوجها بحاله وبسبب وفاته وعرفوا أن زوجة ابنهم هى أيضا مصابة، وجهوا لها كل الاتهامات بأنها من نقلت العدوى إليه، فهم يأبون أن يصدقوا العكس، وتطاول أهل الزوج عليها بالضرب والإهانة، وحرمانها هى وأولادها الثلاثة من الإرث الشرعى، كان عزاؤها الوحيد أن أبناءها لم يكونوا من المتعايشين مع الفيروس، وكانت تنسى كل تعب ومهانة حين ترى أولادها بخير، لم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل أجبروها على الرحيل من البلدة وعلى ترك أولادها، اعتقادا منهم أنها قد تنقل إليهم الإصابة إن عاشوا معها.

وبالفعل رحلت إلى مكان آخر وصارت غريبة وحيدة، فها هو ولدها أجبره عمه على ترك المدرسة ليعمل (ميكانيكى) معه، فكيف لهم أن يطعموه دون مقابل!!، وعملت إحدى ابنتيها كسائقة على (توك توك) حتى تستطيع كسب عيشها، وتكتمل المأساة بأن أصيبت الابنة فى حادث جعلها غير قادرة على العمل، أما الابنة الأخرى فسرعان ما طُلقت بعد زواج قصير عندما علم زوجها أن أمها متعايشة مع فيروس نقص المناعة البشرى....!.

حاولت الأم أن تبدأ حياتها الجديدة بمشقة وعناء، فلا أهل ولا زوج ولا ولد تأنس له، فى المكان الجديد لاحقها أهل الزوج المتوفى يحكون عنها ويقذفونها بالكلام الجارح، مما دفع أهل البلدة التى أوت إليها إلى محاربتها وحرق ملابسها، وكأنها وباءٌ يريدون التخلص منه!، لم يكن أهل القرية فقط هم القضاة الذين أدانوها، بل إن بعض رجال الدين فى القرية ممن كانوا يمنون عليها بالمال، عندما علموا بمرضها منعوا عنها كل صدقة توجه لها! أى جرم ارتكبت حتى تُعامَل بهذه الطريقة؟ أى خطية فعلت حتى تدان من الجميع وتلقى كل هذا العقاب؟ فقط اسم مرضها، والفيروس الذى تحمله، هو تهمتها وإدانتها وذنبها، رغم أنها كانت فى علاقة زواج أحلها الله! لقد كانت زوجة لرجل واحد، لم تعرف غيره!

لم تقتصر القسوة فقط على هؤلاء بل امتدت أيضا إلى الأطباء الذين طلبت منهم مساعدتها لإجراء عملية جراحية، ولكن ضمير هذه المرأة منعها من أن تخفى تعايشها عن الأطباء حتى يأخذوا احتياطاتهم، لكنهم جميعاً رفضوا إجراء الجراحة لها، والسبب أنها مصابة بالإيدز، وأنها «ميتة... ميتة»!

وبالفعل ماتت المرأة نتيجة حصوة فى المرارة! ولم يكن هذا هو السبب الحقيقى وراء وفاتها، بل بالأحق نتيجة قسوة وإدانة الجميع لها وعدم رحمتهم بها. رحلت عن عالم طالما ذاقت فيه الكثير من الآلام، إلى من وحده يخفف الآلام.. رحلت بعد عناء مع كل البشر..!.